✅ القلب السليم ✅
تزكية النفس الحلقة الخامسة الجزء الأول
في هذا الموضوع:👇👇
صلاح القلب وصحته من أهم الأمور في حياة المسلم .. فهل قلوب بني آدم تختلف صحة و مرضا ؟ و ما هي أقسامها ؟ و ما علامات سلامة القلب و صحته ؟ و ما نتيجة صحته ؟
أقسام الموضوع:👇👇
00:00 الإهتمام بالقلب و أهمية إصلاحه. 03:47 أقسام القلوب - الصحيح.رابط الفيديو: 👇👇
https://youtu.be/TOX5NG2F0xQرمز سريع للسلسلة: 👇👇
و هنا نص كلام المؤلف: 👇👇
أنواع القلوب وأقسامها:
قال
تعالى : } إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ
عَنْهُ مَسْؤُولاً { ( الإسراء من الآية : 36
) .
ولما كان القلب لهذه الأعضاء كالملك المتصرف فى الجنود، الذى تصدر كلها عن أمره ، ويستعملها فيما شاء فكلها تحت عبوديته وقهره، وتكتسب منه الاستقامة والزيغ ، وتتبعه فيما يعقده من العزم، أو يحله قال النبى r : " ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسدُ كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهى القلب " رواه البخاري و مسلم.
فهو
ملكُها ، وهى المنفذة لما يأمرها
به ، القابلة لما يأتيها من هديه، ولا يستقيم لها شىء من أعمالها حتى تصدر عن قصده
نيته، وهو المسئول عنها كلها، لأن كل راعٍ مسئول عن رعيته: كان الاهتمام بتصحيحه،
وتسديده، أولى ما اعتمد عليه السالكون ، والنظر فى أمراضه وعلاجها أهم ما تنسك به
الناسكون .
لما كان القلب يوصف بالحياة وضدها، انقسم بحسب ذلك إلى ثلاثة أقسام:
القلب الصحيح أو السليم ، والقلب الميت ، والقلب المريض .
أولا - القلب الصحيح :
هو القلب السليم الذى
لاينجو يوم القيامة إلا مَنْ أتى الله تعالى به، كما قال تعالى : } يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا
بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ { ( الشعراء :الآية : 88
-89 ) .
وقيل في تعريفه: إنه القلب الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ، ومن كل شبهة تعارض خبره ،
فسلم من عيودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله ، فخلصت عبوديته لله تعالى ، إرادة ومحبة ، وتوكيلاً ، وإنابة ،
وإخباتاً وخشية ، ورجاء ، وخلص عمله لله ، فإن أحبَّ أَحَبَّ في الله ، وإن أبغض أبغض في الله ، وإن أعطى أعطى لله ، وإن منع منع لله ، ولا يكفيه هذا حتى يسلم
من الإنقياد والتحكيم لكل مَنْ عدا رسوله r فيعقد قلبه معه عقداً محكماً على الإتمام والإقتداء به وحده ، دون
كل أحد فى الأقوال والأعمال ، فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ، ولا عمل ، قال تعالى :
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { (الحجرات : 1 ) .
و هذه بعض النقولات عن العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى :
* قال في تفسيره :
﴿إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبࣲ سَلِیمࣲ﴾ [الشعراء ٨٩]
القلب السليم: هو النقي من الغل والدغل وحقيقته الذي قد سلم لله تعالى وحده فخلص من دغل الشرك وغله ودغل الذنوب والمخالفات بل هو المستقيم على صدق حبه وحسن معاملته فهذا هو الذي ضمن له النجاة من عذابه والفوز بكرامته ومنه أخذ الإسلام فإنه من هذه المادة لأنه الاستسلام والانقياد لله تعالى والتخلص من شوائب الشرك فسلم لربه وخلص له كالعبد الذي سلم لمولاه ليس فيه شركاء متشاكسون ولهذا ضرب سبحانه هذين المثلين للمسلم المخلص الخالص لربه والمشرك به ومنه السلم للسلف وحقيقته العوض المسلم فيه لأن من هو في ذمته قد ضمن سلامته لربه ثم سمى العقد سلما وحقيقته ما ذكرناه.
فإن قيل: فهذا ينتقض بقولهم للديغ سليما؟
قيل: ليس هذا بنقض له بل طرد لما قلناه فإنهم سموه سليما باعتبار ما يهمه ويطلبه ويرجو أن يئول إليه حاله من السلامة فليس عنده أهم من السلامة ولا هو أشد طلبا منه لغيرها فسمى سليما لذلك وهذا من جنس تسميتهم المهلكة
مفازة لأنه لا شيء أهم عند سالكها من فوزه منها أي نجاته فسميت مفازة لأنه يطلب الفوز منها وهذا أحسن من قولهم إنما سميت مفازة وسميت اللديغ سليما تفاؤلا وإن كان التفاؤل جزء هذا المعنى الذي ذكرناه وداخل فيه فهو أعم وأحسن.
* وقال في (الجواب الكافي)
والقَلْبُ السَّلِيمُ هو الَّذِي سَلِمَ مِنَ الشِّرْكِ والغِلِّ والحِقْدِ والحَسَدِ والشُّحِّ والكِبْرِ وحُبِّ الدُّنْيا والرِّياسَةِ، فَسَلِمَ مِن كُلِّ آفَةٍ تُبْعِدُهُ عَنِ اللَّهِ، وسَلِمَ مِن كُلِّ شُبْهَةٍ تُعارِضُ خَبَرَهُ، ومِن
كُلِّ شَهْوَةٍ تُعارِضُ أمْرَهُ، وسَلِمَ مِن كُلِّ إرادَةٍ تُزاحِمُ مُرادَهُ، وسَلِمَ مِن كُلِّ قاطِعٍ يَقْطَعُ عَنِ اللَّهِ، فَهَذا القَلْبُ السَّلِيمُ في جَنَّةٍ مُعَجَّلَةٍ في الدُّنْيا، وفي جَنَّةٍ في البَرْزَخِ، وفي جَنَّةِ يَوْمِ المَعادِ.
* وقال في (مفتاح دار السعادة)
والقلب السَّلِيم الَّذِي ينجو من عَذاب الله هو القلب الَّذِي قد سلم من هَذا وهَذا، فَهو القلب الَّذِي قد سلم لرَبه وسلم لأمره ولم تبْق فِيهِ مُنازعَة لأمره ولا مُعارضَة لخبره، فَهو سليم مِمّا سوى الله وأمره لا يُرِيد إلا الله، ولا يفعل إلّا ما أمره الله، فالله وحده غايَته، وأمره وشرعه وسيلته وطريقته، لا تعترضه شُبْهَة تحول بَينه وبَين تَصْدِيق خَبره، لَكِن لا تمر عَلَيْهِ إلّا وهِي مجتازة تعلم أنه لا قَرار لَها فِيهِ ولا شَهْوَة تحول بَينه وبَين مُتابعَة رِضاهُ، ومَتى كانَ القلب كَذَلِك فَهو سليم من الشّرك، وسليم من البدع، وسليم من الغي، وسليم من الباطِل، وكل الأقوال الَّتِي قيلت في تَفْسِيره فَذَلِك يتضمنها.
وَحَقِيقَته أنه القلب الَّذِي قد سلم لعبودية ربه حَياء وخوفا وطَمَعًا ورجاء، ففنى بحبه عَن حب ما سواهُ، وبخوفه عَن خوف ما سواهُ، وبرجائه عَن رَجاء ما سواهُ، وسلم لأمره ولِرَسُولِهِ تَصْدِيقًا وطاعَة كَما تقدم، واستسلم لقضائه وقدره فَلم يتهمه ولم ينازعه، ولم يتسخط لأقداره، فَأسلم لرَبه انقيادا وخضوعا وذلا وعبودية، وسلم جَمِيع أحواله وأقواله وأعماله وأذواقه ومواجيده ظاهرا وباطنا من مشاكة رَسُوله ﷺ، وعرض ما جاءَ من سواها عَلَيْها، فَما وافقها قبله، وما خالفها رده، وما لم يتَبَيَّن لَهُ فِيهِ مُوافقَة ولا مُخالفَة وقف أمره وأرجأه إلى أن يتَبَيَّن لَهُ، وسالم أولياءه وحزبه المفلحين الذابين عَن دينه وسنة نبيه القائمين بها، وعادى أعداءه المُخالفين لكتابه وسنة نبيه الخارجين عَنْهُما الداعين إلى خلافهما.
* (فائدة)
سَلامَةُ القَلْبِ لا تَتِمُّ لَهُ سَلامَتُهُ مُطْلَقًا حَتّى يَسْلَمَ مِن خَمْسَةِ أشْياءَ: مِن شِرْكٍ يُناقِضُ التَّوْحِيدَ، وبِدْعَةٍ تُخالِفُ السُّنَّةَ، وشَهْوَةٍ تُخالِفُ الأمْرَ، وغَفْلَةٍ تُناقِضُ الذِّكْرَ، وهَوًى يُناقِضُ التَّجْرِيدَ والإخْلاصَ.
وَهَذِهِ الخَمْسَةُ حُجُبٌ عَنِ اللَّهِ، وتَحْتَ كُلِّ واحِدٍ مِنها أنْواعٌ كَثِيرَةٌ، تَتَضَمَّنُ أفْرادًا لا تَنْحَصِرُ.
* (فصل)
والسليم: هو السالم، وجاء على هذا المثال لأنه للصفات، كالطويل والقصير والظريف. فالسليم: القلب الذي قد صارت السلامة صفة ثابتة له كالعليم والقدير وأيضا فإنه ضد المريض والسليم والعليل.
وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم.
والأمر الجامع لذلك: أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره. فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله فسلم في محبته مع تحكيمه لرسوله في خوفه ورجائه والتوكل عليه، والإنابة إليه، والذل له، وإيثار مرضاته في كل حال، والتباعد من سخطه بكل طريق. وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده.
فالقلب السليم: هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيها شركة بوجه ما، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى: إرادة، ومحبة وتوكلا، وإنابة، وإخباتا، وخشية، ورجاء. وخلص عمله وأمره كله لله، فإن أحب أحب في الله، وإن بغض أبغض في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله، ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكم لكل من عدا رسول الله ﷺ، فيعقد قلبه معه عقدا محكما على الائتمام والاقتداء به وحده، دون كل أحد في الأموال والأعمال: من أقوال القلب، وهي العقائد.
وأقوال اللسان، وهي الخبر عما في القلب وأعمال القلب وهي الإرادة والمحبة والكراهية وتوابعها، وأعمال الجوارح، فيكون الحكم عليه في ذلك كله دقّة وجلّه:
لما جاء به الرسول ﷺ. فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل، كما قال تعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ﴾
أي لا تقولوا حتى يقول، ولا تفعلوا حتى يأمر.
قال بعض السلف: ما من فعلة، وإن صغرت، إلا ينشر لها ديوانان:
لم؟ وكيف؟ أي لم فعلت؟ وكيف فعلت؟
فالأول سؤال: عن علة الفعل وباعثه وداعيه: هل هو حظ عاجل من حظوظ العامل، وغرض من أغراض النفس في محبة المدح من الناس وخوف ذمهم؟ أو استجلاب محبوب عاجل أو دفع مكروه عاجل، أم الباعث على الفعل القيام بحق العبودية لله، وطلب التودد والتقرب إلى الرب سبحانه، وابتغاء الوسيلة إليه؟
ومحل هذا السؤال: أنه هل كان عليك أن تفعل هذا الفعل لمولاك أم فعلته لحظك وهواك؟
والثاني: سؤالك عن متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك التعبد؟ أي هل كان ذلك العمل بما شرعته لك على لسان رسولي، أم كان عملا لم أشرعه ولم أرضه؟
فالأول: سؤال عن الإخلاص. والثاني: عن المتابعة. فإن الله سبحانه لا يقبل عملا إلا بهما.
فطريق التخلص من السؤال الأول: بتجريد الإخلاص.
وطريق التخلص من السؤال الثاني: بتحقيق المتابعة.
وسلامة القلب من إرادة تعارض الإخلاص ومن هوى يعارض الاتباع. فهذا حقيقة سلامة القلب.
فمن سلم قلبه ضمنت له النجاة والسعادة.
* [فصل: الفرق بين سلامة القلب والبله والغفل]
والفرق بين سلامة القلب والبله والغفل أن سلامة القلب تكون من عدم إرادة الشر بعد معرفته فيسلم قلبه من إرادته وقصده لا من معرفته به، وهذا بخلاف البله والغفلة فإنها جهل وقلة معرفة.
وهذا لا يحمد إذ هو نقص وإنما يحمد الناس من هو كذلك لسلامتهم منه، والكمال أن يكون القلب عارفا بتفاصيل الشر سليما من إرادته قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لست بخب ولا يخدعني الخب وكان عمر أعقل من أن يخدع، وأروع من أن يخدع وقال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ إلّا مَن أتى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾
فهذا هو السليم من الآفات التي تعتري القلوب المريضة من مرض الشبهة التي توجب اتباع الظن ومرض الشهوة التي توجب اتباع ما تهوى الأنفس فالقلب السليم الذي سلم من هذا وهذا.
تعليقات
إرسال تعليق