-- الدنيا --
في هذا الموضوع: 👇👇
هل الذم الوارد في القرآن و السنة لزمان الدنيا أم لمكانها ؟
ما أقسام النس في هذه الدنيا ؟
من هم الظالم و المقتصد و السابق بالخيرات ؟ ..
هل لحب الدنيا خطر يجب أن نحذره ؟
ما الوجوه السبعة لإفساد حب الدنيا للدين ؟
أجزاء المقطع:👇👇
00:00 - مقدمة . .
00:30 - تساؤلات ..
00:53 - ذم زمانها أم مكانها؟ ..
02:11 - أقسام الناس فيها ..
02:43 - أقسام المنتسبين الى الرسل ..
02:56 - أولا: الظالم لنفسه ..
03:36 - الثاني: المقتصد ..
04:12 - الثالث: السابقون بالخيرات ..
05:03 - خطورة حب الدنيا ..
06:17 - سبعة وجوه لإفساد حب الدنيا للدين ..
رابط المقطع:👇👇
رمز سريع للسلسلة: 👇👇
✴ ذم الدنيا ✴
اعلم أن الذم الوارد فى الكتاب والسنّة ليس راجع إلى زمانها الذى هو الليل والنهار المتعاقبان إلى يوم القيامة ، فإن الله عز وجل جعلهما خلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شُكوراً .
وورد فى الأثر : " إن هذا الليل والنهار خزانتان فانتظروا ماتصنعون فيهما " .
وقال مجاهد : " ما من يوم إلا يقول : ابن آدم : قد دخلت ، عليك اليوم ولن أرجع إليك بعد اليوم فانظر ماذا تعمل فى ، فإذا انقضى طوى، ثم يختم عليه فلا يفك حتى يكون الله هو الذى يقضيه يوم القيامة " .
وأنشد بعضهم :
إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريقٌ *** والليالى متجرُ الإنسان والأيام سوقٌ
فالوقت هـو رأس مال العبد ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قـال : " من قال : سبحان الله وبحمده غرست له نخلة فى الجنة " (رواه الترمذي و صححه الالباني ) .
فانظر إلى مُضَيع الساعات كم يفوته من النخيل .
وكان أحد الصالحين إذا أثقل الناس فى الجلوس عنده يقول : "أما تريدون أن تقوموا ، إن ملك الشمس يجرها لا يفتر " .
وقال رجل لأحد العلماء: " قف أكلمك " قال : " أوقف الشمس " . وكذلك ليس ذم الدنيا راجعاً إلى مكان الدنيا وهو الأرض ، وما أودع فيها من جبال وبحار وأنهار ومعادن ، فإن ذلك كله من نعم الله على عباده ، لما لهم فيها من المنافع ، والاعتبار ، والاستدلال على وحدانية الصانع سبحانه، وقدرته وعظمته ، وإنما الذم راجع إلى أفعال بنى آدم الواقعة فى الدنيا ، لأن غالبها واقع على غير الوجه الذى تحمد عاقبته ، كما قال عز وجل : ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ والأولاد) ( الحديد : من الآية : 20 ) .
وانقسم بنو آدم فى الدنيا إلى قسمين :
أحدهما : من أنكر أن للعباد داراً بعد الدنيا للثواب، والعقاب ، هؤلاء هم الذين قال الله فيهم : ( إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) ( يونس: الآية : 7 -8 ) .
وهؤلاء همهم التمتع فى الدنيا واغتنام لذاتها قبل الموت كما قـال تعـالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ) (محمد : من الآية : 12 ) .
والقسم الثانى : من يقر بدار بعد الموت للثواب والعقاب ، وهم المنتسبون إلى المرسلين، وهم منقسمون إلى ثلاثة أقسام : ظالم لنفسه ومقتصد ، وسابق بالخيرات بإذن الله .
والظالم لنفسه : هم الأكثرون ، وأكثرهم واقف مع زهرة الدنيا وزينتها ، فأخذها من غير وجهها ، واستعملها فى غير وجهها ، وصارت الدنيا أكبر همّه ، بها يرضى ، وبها يغضب ، ولها يوالى ، وعليها يعادى ، وهؤلاء أهل اللعب واللهو والزينة ، وإن كانوا يؤمنون بالآخرة إيماناً مجملاً فهم لم يعرفوا المقصود من الدنيا ، ولا أنها منزلة يتزود فيها لما بعدها .
والمقتصد : من أخذ الدنيا من وجوهها المباحة، وأدى واجبها، وأمسك لنفسه الزائد على الواجب يتوسع به فى التمتع بشهوات الدنيا ، وهؤلاء لا عقاب عليهم فى ذلك إلا أنه ينقص درحاتهم كما قال عمر بن الخطاب: "لولا أن تنقص من حسناتى لخالفتكم فى لين عيشكم ولكن سمعت الله عيّر قوماً فقال : ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ) ( الأحقاف: من الآية : 20 ) .
وأما السابق بالخيرات بإذن الله : فهم الذين فهموا المراد من الدنيا وعملوا بمقتضى ذلك ، فعلموا أن الله إنما أسكن عبادة فى الدار ليبلوهم أيهم أحسن عملاً كما قال تعالى : ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) ( الكهف: الآية : 7 ) .
يعنى : أزهد فى الدنيا وأرغب فى الآخرة ، ثم قال تعالى : ( وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ) الكهف: الآية : 8 .
فاكتفى السابقون منها بما يكفى المسافر من الزاد، كما قال النبى صلى الله عليه و سلم: " مالى وللدنيا ، ما أنا فى الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها " (رواه الترمذي و صححه الالباني) .
ووصى ابن عمر رضي الله عنهما : " كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " (رواه البخاري و أحمد و غيرهما ) .
ومتى نوى من تناول شهواته المباحة التقوى على طاعة الله كانت شهواته له طاعة يثاب عليها ، كما قال معاذ رضي الله عنه : " إنى لأحتسب نومتى كما أحتسب قومتى " .
قال سعيد بن جبير: " متاع الغرور ما يلهيك عن طلب الآخرة، وما لم يلهك فليس بمتاع الغرور ولكن متاع بلاغ إلى ما هو خير منه " .
وقال يحيى بن معاذ : " كيف لا أحب دنيا قُدر لى فيها قوت أكتسب به حياة ، أدرك به طاعة ، أنال بها الجنة " .
وسُئل أبو صفوان الرعينى: ما هى الدنيا التى ذمها الله فى القرآن والتى ينبغى للعاقل أن يتجنبها ؟ ، فقال : " كل ما أصبت فى الدنيا تريد به الدنيا فهو مذموم، وكل ماأصبت منا تريد به الآخرة فليس منها " .
وقال الحسن: " نعمت الدار الدنيا كانت للمؤمن ، وذلك أنه عمل قليلاً وأخذ زاده منها للجنة ، وبئست الدار كانت للكافر والمنافق ، وذلك أنه ضيع لياليه وكان زاده منها إلى النار " .
قال عون بن عبد الله: " الدنيا والآخرة فى القلب ككفتى الميزان ما ترجح إحداهما تخف الأخرى ".
وقال وهب: " إنما الدنيا والآخرة كرجل له امرأتان إذا أرضى إحداهما أسخط الأخرى " .
وقال أبو الدرداء: " لئن حلفتم لى على رجل أنه أزهدكم لأحلفن لكم أنه خيركم " .
وقال رجل للتابعين: " لأنتم أكثر عملاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و لكنهم كانوا خيراً منكم ، كانوا أزهد فى الدنيا ".
أضرار حب الدنيا
حب الدنيا هو الذى عمّر النار بأهلها ، الزهد فى الدنيا هو الذى عمّر الجنة بأهلها ، والسكر بحب الدنيا أعظم من السكر بالخمر، فصاحبه لا ييق إلا فى ظلمة اللحد.
قال يحيى بن معاذ: " الدنيا خمر الشيطان ، من سكر منها فلا يفيق إلا فى عسكر الموتى نادماً بين الخاسرين " ، وأقل ما فيها أنه يلهى عن حب الله وذكره ، ومن ألهاه ماله فهو من الخاسرين ، وإذا لهى القلب عن ذكر الله سكنه الشيطان ، وصرفه حيث أراد .. ومن فقهه فى الشر أن يرضيه ببعض أعمال الخير ليريه أنه يفعل الخير.
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: " ماأصبح أحد فى الدنيا إلا ضيف وماله عارية ، فالضيف مرتحل والعارية مؤداة " .
قالوا: وإنما كان حب الدنيا رأس الخطايا ، ومفسداً للدين من وجوه:
أحدها : أن حبها يقتضى تعظيمها وهى حقيرة عند الله ،ومن أكبر الذنوب تعظيم ما حقّر الله .
ثانيها : أن الله لعنها ، ومقتها، وأبغضها، إلا ما كان له فيها ، ومن أحب ما لعنه الله ومقته وأبغضه فقد تعرض للفتنة ، ومقته وغضبه .
وثالثها : أنه إذا أحبها صيّرها غايته ، وتوسل إليها بالأعمال التى جعلها الله وسائل إليه وإلى الدار الآخرة، فعكس الأمر وقلب الحكمة، فها هنا أمران: أحدهما : جعل الوسيلة غاية ، والثانى : التوسل بأعمال الآخرة إلى الدنيا، وهذا شر معكوس من كل وجه ، وقلب منكوس غاية الانتكاس ، وهذا هو الذى انطبق عليه: حذْوَ القُذة بالقُذّة ، قوله تعالى : (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) ( هود: الآية : 15 - 16 ) .
والأحاديث كثيرة ، منها حديث أبى هريرة فى الثلاثة الذين هم أول من تسعّر بهم النار: الغازى ، والمتصدق ، والقارىء ، الذين أرادوا بذلك الدنيا ، والنصيب . وهو فى صحيح مسلم.
فانظر محبة الدنيا كيف حَرَمتْ هؤلاء من الأجر، وأفسدت عليهم عملهم ، وجعلتهم أول الداخلين إلى النار .
رابعاً : أن محبتها تعترض بين العبد وبين فعل ما يعود عليه نفعه فى الآخرة باشتغاله عنه بمحبوه ، والناس ها هنا مراتب : فمنهم من يشغله محبوبه عن الإيمان وشرائعه ، ومنهم من يشغله حبها عن كثير من الواجبات ، ومنهم من يشغله عن واجب يعارض تحصيلها – وإن قام بغيره – ومنهم من يشغله عن القيام بالواجب فى الوقت الذى ينبغى على الوجه الذى ينبغى ، فيفرط فى وقته وفى حقوقه، ومنهم من يشغله عن عبودية قلبه فى الواجب ، وتفريغه لله عند أدائه ، فيؤديه ظاهراً لا باطناً ، وأين هذا من عشاق الدنيا ومحبيها ، هذا من أندرهم وأقل درجات حبها أن يشغل عن سعادة العبد ، وهو تفريغ القلب لحب الله ، و لسانه لذكره ، وجمع قلبه على لسانه ، وجمع لسانه وقلبه على ربه ، فعشقها ومحبتها تضر بالآخرة ولا بد ، كما أن محبة الآخرة تضر بالدنيا .
خامساً : أن محبتها تجعلها أكبر همّ العبد، وقد روى الترمذى من حديث أنس بين مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من كانت الآخرة همه جعل الله غناه فى قلبه ،وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهى راغمة، ومن كانت الدنيا همه ، جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له " (رواه الترمذي و حسنه الالباني) .
سادسها : أن محبها أشد الناس عذاباً بها، وهو معذب فى دوره الثلاث : يعذب فى الدنيا بتحصيلها والسعى فيها ومنازعة أهلها، وفى دار البرزخ بفواتها والحسرة عليها ، وكونه قد حيل بينه وبين محبوبه على وجه لا يرجو اجتماعه به أبداً ، ولم يحصل له هناك محبوب يعوضه عنه، فهذا أشد الناس عذاباً فى قبره، يعمل الهمّ والحزنُ والغم والحسرة فى روحه ما تعمل الديدان وهوام الأرض فى جسمه .
والمقصود: أن محب الدنيا يعذب فى قبره ، ويعذب يوم لقاء ربه قال تعالى : (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) ( التوبة: الآية : 55 ) .
قال بعض السلف : " يعذبهم بجمعها، وتزهق أنفسهم بحبها، وهم كافرون بمنع حق الله فيها " .
وسابعها : أن عاشقها ومحبها الذى يؤثرها على الآخرة من أسفه الخلق وأقلهم عقلاً ، إذ آثر الخيال على الحقيقة، والمنام على اليقظة، والظل الزائل على النعيم الدائم ، والدار الفانية على الدار الباقية، وباع حياة الأبد فى أرغد عيش بحياة إنما هى أحلام نوم، أو كظل زائل، إن اللبيب بمثلها لا يخدع.
وكان بعض السلف يتمثل هذا البيت :
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها *** إن اغتراراً بظل زائل حمق
قال يونس بن عبد الأعلى : " ما شبهت الدنيا إلا كرجل نام فرأى فى منامه ما يكره وما يحب ، فبينما هو كذلك انتبه " .
وأشبه الأشياء بالدنيا: الظل تحسب له حقيقة ثابتة وهو فى تقلص وانقباض فتتبعه لتدركه فلا تلحقه، وأشبه الأشياء بها السراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ، ووجد الله عنده فوفاه حسابه ، والله سريع الحساب ، وأشبه الأشياء بها : عجوز شوهاء قبيحة المنظر والمخبر ، غدارة بالأزواج، تزينت للخطاب بكل زينة ، وسترت كل قبح، فاغتر بهامن لم يجاوز بصره ظاهرها، فطلب النكاح، فقالت : لا مهر إلا فقد الآخرة ، فإننا ضرتان ، واجتماعنا غير مأذون فيه ولا مستباح، فآثر الخطاب العاجلة ، وقالوا : ما على مَن واصل حبيبته من جناح، فلما كشف قناعها ، وحل إزارها، إذا كل آفة وبلية ، فمنهم من طلق واسترح، ومنهم من اختار المقام، فما استتمت ليلة عرسه إلا بالعويل والصياح .
تالله لقد أذن مؤذنها على رؤوس الخلائق ، بحىّ على غير الفلاح، فقام المجتهدون والمصلون لها فواصلوا فى طلبها الغدو بالرواح، وسروا ليلهم ، فلم يحمد القوم السرى عند الصباح،طاروا فى صيدها ، فما رجع أحد منهم إلا وهو مكسور الجناح ، فوقعوا فى شبكتها، فأسلمتهم للذبّاح .
تعليقات
إرسال تعليق