القائمة الرئيسية

الصفحات

تزكية النفس - الحلقة ٣٩ - الدنيا

-- الدنيا --



في هذا الموضوع: 👇👇

هل الذم الوارد في القرآن و السنة لزمان الدنيا أم لمكانها ؟

ما أقسام النس في هذه الدنيا ؟

من هم الظالم و المقتصد و السابق بالخيرات ؟ ..

هل لحب الدنيا خطر يجب أن نحذره ؟

ما الوجوه السبعة لإفساد حب الدنيا للدين ؟




أجزاء المقطع:👇👇

00:00  - مقدمة . .

00:30  - تساؤلات ..

00:53  - ذم زمانها أم مكانها؟ ..

02:11  - أقسام الناس فيها  ..

02:43  - أقسام المنتسبين الى الرسل ..

02:56  - أولا: الظالم لنفسه ..

03:36  - الثاني: المقتصد  ..

04:12  -  الثالث: السابقون بالخيرات ..

05:03  -  خطورة حب الدنيا ..

06:17  -  سبعة وجوه لإفساد حب الدنيا للدين ..


رابط المقطع:👇👇

http://bit.ly/3X62cqn


رمز سريع للسلسلة: 👇👇


 ✴ ذم الدنيا  ✴ 


  اعلم أن الذم الوارد فى الكتاب والسنّة ليس راجع إلى زمانها الذى هو الليل والنهار المتعاقبان إلى يوم القيامة ، فإن الله عز وجل جعلهما خلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شُكوراً . 


وورد فى الأثر : " إن هذا الليل والنهار خزانتان فانتظروا ماتصنعون فيهما " . 


وقال مجاهد : " ما من يوم إلا يقول : ابن آدم : قد دخلت ، عليك اليوم ولن أرجع إليك بعد اليوم فانظر ماذا تعمل فى ، فإذا انقضى طوى، ثم يختم عليه فلا يفك حتى يكون الله هو الذى يقضيه يوم القيامة " . 


وأنشد بعضهم : 


إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريقٌ   ***  والليالى متجرُ الإنسان والأيام سوقٌ 


   فالوقت هـو رأس مال العبد ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قـال :  " من قال : سبحان الله وبحمده غرست له نخلة فى الجنة " (رواه الترمذي و صححه الالباني ) . 


فانظر إلى مُضَيع  الساعات كم يفوته من النخيل . 


وكان أحد الصالحين إذا أثقل الناس فى الجلوس عنده يقول : "أما تريدون أن تقوموا ، إن ملك الشمس يجرها لا يفتر " . 


وقال رجل لأحد العلماء: " قف أكلمك " قال : " أوقف الشمس " . وكذلك ليس ذم الدنيا راجعاً إلى مكان الدنيا وهو الأرض ، وما  أودع فيها من جبال وبحار وأنهار ومعادن ، فإن ذلك كله من نعم الله على عباده ، لما لهم فيها من المنافع ، والاعتبار ، والاستدلال على  وحدانية الصانع سبحانه، وقدرته وعظمته ، وإنما الذم راجع إلى أفعال بنى آدم الواقعة فى الدنيا ، لأن غالبها واقع على غير الوجه الذى تحمد عاقبته ، كما قال عز وجل :  ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ والأولاد) ( الحديد : من الآية : 20 ) .   


وانقسم بنو آدم فى الدنيا إلى قسمين : 


أحدهما : من أنكر أن  للعباد داراً بعد الدنيا للثواب، والعقاب ، هؤلاء هم الذين قال الله فيهم : ( إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) ( يونس: الآية : 7 -8 ) .   


وهؤلاء همهم التمتع فى الدنيا واغتنام لذاتها قبل الموت كما قـال تعـالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ) (محمد : من الآية : 12 ) .   


والقسم الثانى : من يقر بدار بعد الموت للثواب والعقاب ، وهم المنتسبون إلى المرسلين، وهم منقسمون إلى ثلاثة أقسام : ظالم لنفسه ومقتصد ، وسابق بالخيرات بإذن الله . 


والظالم لنفسه :  هم الأكثرون ، وأكثرهم واقف مع زهرة الدنيا  وزينتها ، فأخذها من غير وجهها ، واستعملها فى غير وجهها ، وصارت  الدنيا أكبر همّه ، بها يرضى ، وبها يغضب ، ولها يوالى ، وعليها يعادى ، وهؤلاء أهل اللعب واللهو والزينة ، وإن كانوا يؤمنون بالآخرة إيماناً مجملاً فهم لم يعرفوا المقصود من الدنيا ، ولا أنها منزلة يتزود  فيها لما بعدها .  


والمقتصد : من أخذ الدنيا من وجوهها المباحة، وأدى واجبها، وأمسك لنفسه الزائد على الواجب يتوسع به فى التمتع بشهوات الدنيا ، وهؤلاء لا عقاب عليهم فى ذلك إلا أنه ينقص درحاتهم كما  قال عمر بن الخطاب: "لولا أن تنقص من حسناتى لخالفتكم فى  لين عيشكم ولكن سمعت الله عيّر قوماً فقال : ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ) ( الأحقاف: من الآية : 20 ) .   


وأما السابق بالخيرات بإذن الله : فهم الذين فهموا المراد من الدنيا  وعملوا بمقتضى ذلك ، فعلموا أن الله إنما أسكن عبادة فى الدار ليبلوهم أيهم أحسن عملاً كما قال تعالى : ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) ( الكهف: الآية : 7 ) .   


يعنى : أزهد فى الدنيا وأرغب فى الآخرة ، ثم قال تعالى : ( وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا  ) الكهف: الآية : 8 .   


فاكتفى السابقون منها بما يكفى المسافر من الزاد، كما قال النبى صلى الله عليه و سلم: " مالى وللدنيا ، ما أنا فى الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها " (رواه الترمذي و صححه الالباني) . 


ووصى ابن عمر رضي الله عنهما :  " كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " (رواه البخاري و أحمد و غيرهما ) . 


ومتى نوى  من تناول شهواته المباحة التقوى على طاعة الله كانت شهواته له طاعة يثاب عليها ، كما قال معاذ  رضي الله عنه : " إنى لأحتسب  نومتى كما أحتسب  قومتى " . 


قال سعيد بن جبير: " متاع الغرور ما يلهيك عن طلب الآخرة، وما  لم يلهك فليس بمتاع الغرور ولكن متاع بلاغ إلى ما هو خير منه " . 


وقال يحيى بن معاذ : " كيف لا أحب دنيا قُدر لى فيها قوت أكتسب به حياة ، أدرك به طاعة ، أنال بها الجنة " . 


وسُئل أبو صفوان الرعينى: ما هى الدنيا التى ذمها الله فى القرآن والتى ينبغى للعاقل أن يتجنبها ؟ ، فقال : " كل ما أصبت فى الدنيا تريد  به الدنيا فهو مذموم، وكل ماأصبت منا تريد به الآخرة فليس منها " . 


وقال الحسن: " نعمت الدار الدنيا كانت للمؤمن ، وذلك أنه عمل  قليلاً وأخذ زاده منها للجنة ، وبئست الدار كانت للكافر والمنافق ، وذلك أنه ضيع لياليه وكان زاده منها إلى النار " . 


قال عون بن عبد الله: " الدنيا والآخرة فى  القلب ككفتى الميزان ما ترجح إحداهما تخف الأخرى ". 

وقال وهب:  " إنما الدنيا والآخرة كرجل له امرأتان إذا أرضى إحداهما أسخط الأخرى " .


وقال أبو الدرداء: " لئن حلفتم لى على رجل أنه أزهدكم لأحلفن  لكم أنه خيركم " .


وقال رجل للتابعين: " لأنتم أكثر عملاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و لكنهم كانوا خيراً منكم ، كانوا أزهد فى الدنيا ". 


أضرار حب  الدنيا 


حب الدنيا هو الذى عمّر النار بأهلها ، الزهد فى الدنيا هو الذى عمّر الجنة بأهلها ، والسكر  بحب الدنيا أعظم من السكر بالخمر، فصاحبه لا ييق إلا فى ظلمة اللحد. 


قال يحيى بن معاذ: " الدنيا خمر الشيطان ، من سكر منها فلا يفيق إلا فى عسكر الموتى نادماً بين الخاسرين " ، وأقل ما فيها أنه يلهى عن  حب الله وذكره ، ومن ألهاه ماله فهو من الخاسرين ، وإذا لهى القلب عن ذكر الله سكنه الشيطان ، وصرفه حيث أراد .. ومن فقهه فى الشر أن يرضيه ببعض أعمال الخير ليريه أنه يفعل الخير. 

ويقول ابن مسعود  رضي الله عنه: " ماأصبح أحد فى الدنيا إلا ضيف وماله عارية ، فالضيف مرتحل والعارية مؤداة " . 


قالوا: وإنما كان حب الدنيا رأس الخطايا ، ومفسداً للدين من وجوه:  


أحدها : أن حبها يقتضى تعظيمها وهى حقيرة عند الله ،ومن أكبر الذنوب تعظيم ما حقّر الله .


ثانيها : أن الله لعنها ، ومقتها، وأبغضها، إلا ما كان له فيها ، ومن أحب ما لعنه الله ومقته وأبغضه فقد تعرض للفتنة ، ومقته وغضبه .

 

وثالثها : أنه إذا أحبها صيّرها غايته ، وتوسل إليها بالأعمال التى  جعلها الله وسائل إليه وإلى  الدار الآخرة، فعكس الأمر وقلب الحكمة، فها هنا أمران: أحدهما : جعل الوسيلة غاية ، والثانى : التوسل بأعمال الآخرة إلى الدنيا، وهذا شر معكوس من كل وجه ، وقلب منكوس  غاية الانتكاس ، وهذا هو الذى انطبق عليه:  حذْوَ القُذة بالقُذّة ، قوله تعالى : (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) ( هود: الآية : 15 - 16 ) .


والأحاديث كثيرة ، منها حديث أبى هريرة فى الثلاثة الذين هم أول من تسعّر بهم النار: الغازى ، والمتصدق ، والقارىء ، الذين أرادوا بذلك الدنيا ، والنصيب . وهو فى صحيح مسلم. 


فانظر محبة الدنيا كيف حَرَمتْ هؤلاء من الأجر، وأفسدت عليهم عملهم ، وجعلتهم أول الداخلين إلى النار . 


رابعاً : أن محبتها تعترض بين العبد وبين فعل ما يعود عليه نفعه فى الآخرة باشتغاله عنه بمحبوه ، والناس ها هنا مراتب : فمنهم من يشغله  محبوبه عن الإيمان وشرائعه ، ومنهم من يشغله حبها عن كثير من الواجبات ، ومنهم من يشغله عن واجب يعارض تحصيلها – وإن قام بغيره – ومنهم من يشغله عن القيام بالواجب فى الوقت الذى ينبغى على الوجه الذى ينبغى ، فيفرط فى وقته وفى حقوقه، ومنهم من يشغله عن عبودية قلبه فى الواجب ، وتفريغه لله عند أدائه ، فيؤديه ظاهراً لا باطناً ، وأين هذا من عشاق الدنيا ومحبيها ، هذا من أندرهم وأقل درجات  حبها أن يشغل عن سعادة العبد ، وهو تفريغ القلب لحب الله ، و لسانه لذكره ، وجمع قلبه على لسانه ، وجمع لسانه وقلبه على ربه ، فعشقها  ومحبتها تضر بالآخرة ولا بد ، كما أن محبة الآخرة تضر بالدنيا . 


خامساً : أن محبتها تجعلها أكبر همّ العبد، وقد روى الترمذى من حديث أنس بين مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من كانت الآخرة همه جعل الله غناه فى قلبه ،وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهى راغمة، ومن كانت الدنيا همه ، جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له " (رواه الترمذي و حسنه الالباني) .


سادسها : أن محبها أشد الناس عذاباً بها، وهو معذب فى دوره الثلاث : يعذب فى الدنيا بتحصيلها والسعى فيها ومنازعة أهلها، وفى دار البرزخ بفواتها والحسرة عليها ، وكونه قد حيل بينه وبين محبوبه على وجه لا يرجو اجتماعه به أبداً ، ولم يحصل له هناك محبوب يعوضه عنه، فهذا أشد الناس عذاباً فى قبره، يعمل الهمّ والحزنُ والغم والحسرة فى روحه ما تعمل الديدان وهوام الأرض فى جسمه . 


والمقصود: أن محب الدنيا يعذب فى قبره ، ويعذب يوم لقاء ربه  قال تعالى :  (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) ( التوبة: الآية : 55 ) .


قال بعض السلف : " يعذبهم بجمعها، وتزهق أنفسهم بحبها، وهم كافرون بمنع حق الله فيها " .


وسابعها  : أن عاشقها ومحبها الذى يؤثرها على الآخرة من أسفه الخلق وأقلهم عقلاً ، إذ آثر الخيال على الحقيقة، والمنام على اليقظة، والظل الزائل على النعيم الدائم ، والدار الفانية على الدار الباقية، وباع حياة الأبد فى أرغد عيش بحياة إنما هى أحلام نوم، أو كظل زائل، إن اللبيب بمثلها لا يخدع. 


وكان بعض السلف يتمثل هذا البيت : 


يا أهل لذات دنيا لا بقاء  لها   ***    إن اغتراراً بظل زائل حمق


قال يونس  بن عبد الأعلى : " ما شبهت الدنيا إلا كرجل نام فرأى فى منامه ما يكره وما يحب ، فبينما هو كذلك انتبه " . 


وأشبه الأشياء بالدنيا: الظل تحسب له حقيقة ثابتة وهو فى تقلص  وانقباض فتتبعه لتدركه فلا تلحقه، وأشبه الأشياء بها السراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ، ووجد الله عنده فوفاه حسابه ، والله سريع الحساب ، وأشبه الأشياء بها : عجوز شوهاء قبيحة المنظر والمخبر ، غدارة بالأزواج، تزينت للخطاب بكل زينة ، وسترت كل قبح،  فاغتر  بهامن لم يجاوز بصره ظاهرها، فطلب النكاح، فقالت : لا مهر إلا  فقد الآخرة ، فإننا ضرتان ، واجتماعنا غير مأذون فيه ولا مستباح، فآثر الخطاب العاجلة ، وقالوا : ما على مَن واصل حبيبته من جناح، فلما كشف قناعها ، وحل إزارها، إذا كل آفة وبلية ، فمنهم من طلق واسترح، ومنهم من اختار المقام، فما استتمت ليلة عرسه إلا بالعويل والصياح . 


تالله لقد أذن مؤذنها على رؤوس الخلائق ، بحىّ على غير الفلاح، فقام المجتهدون والمصلون لها فواصلوا فى طلبها الغدو بالرواح، وسروا ليلهم ، فلم يحمد القوم السرى عند الصباح،طاروا فى صيدها ، فما رجع أحد منهم إلا وهو مكسور الجناح ، فوقعوا فى شبكتها، فأسلمتهم للذبّاح . 

انتهي مختصرا من الكتاب.

تعليقات