القائمة الرئيسية

الصفحات

النية - تزكية النفس - الحلقة الثالثة

النية

تزكية النفس - الحلقة الثالثة - 


في هذا الموضوع: 👇👇

تزكية النفس:

أهميتها ، أهمية النية ، الجهر بالنية ، مضاعة الأجور بتعدد النيات في العمل الواحد ، شرطي قبول العمل.



أجزاء المقطع: 👇👇

00:00 مقدمة

01:42 االنية و الهم بالحسنات

03:07 حديث : انما الاعمال بالنيات

04:30 معنى النية و الجهر بها 

07:38 حقيقة النية و فضلها 

09:38 معنى قوله (إنما الاعمال بالنيات) و تعدد النيات في العمل الواحد

12:22 معنى قوله (فمن كانت هجرته لدينا يصيبها)

15:07 النية الصالحة لا تغير المعاصي عن موضعها

15:44 أقسام العمل : طاعات و مباحات و معاص

18:15 القرب من الله و لذه الحياة


رابط المقطع: 👇👇

https://youtu.be/demD2tLkkQE


رمز سريع للسلسلة: 👇👇


شرح الشيخ ابن عثيمين لحديث النية:


عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ أَبي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ () يَقُولُ : " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوُله ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا ، أَو امْرأَةٍ يَنْكِحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ "

رواه إماما المحدثين أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَهْ البخاري ، وأبو الحسين مسلم بن الحجَّاج ين مسلم القشيري النيسابوري ، في صحيحيهما اللَذين هما أصح الكتب المصنفة . 



الــشــــرح

" عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ " هو أبو حفص عمر بن الخطاب  آلت إليه الخلافة بتعين أبي بكر الصديق  له . 

وفي قوله :" سَمِعْتُ " دليل على أنه أخذه من النبي () بلا واسطة .

ولفظ الحديث انفرد به عمر  وتلقته الأمة بالقبول التام ، حتى إن البخاري رحمه الله صدر كتابه الصحيح بهذا الحديث ، ومعنى الحديث ثابت بالقرآن والسنة .

قوله () :" إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " فيه من أوجه البلاغة الحصر ، وهو :

إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه .

وطريق الحصر : " إِنَّمَا " لأن ( إِنَّمَا ) تفيد الحصر .

وكذلك قوله () : " وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى " .

وفي قوله ():" وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا ، أَو امْرأَةٍ يَنْكِحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ  " من البلاغة : إخفاء نية من هاجر للدنيا ، لقوله : " فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ " ولم يقل : إلى دنيا يصيبها ، والفائدة البلاغية في ذلك هي : تحقير ما هاجر إليه هذا الرجل ، أي ليس أهلاً لأن يذكر ، بل يكنى عنه بقوله :" إِلى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ " .

وقوله : "فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله" الجواب : " فَهِجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوُله " فذكره تنويهاً بفضله.

" وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا ، أَو امْرأَةٍ يَنْكِحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إلَيْه ِ"  ولم يقل: إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، لأن فيه تحقيراً لشأن ما هاجر إليه وهي : الدنيا أو المرأة .

* أما من جهة الإعراب ، وهو البحث الثاني :

فقوله () " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " مبتدأ وخبر ، الأعمال : مبتدأ ، والنيات : خبره .

" وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى " أيضاً مبتدأ وخبر ، لكن قُدُّم الخبر على المبتدأ ؛ والمبتدأ هو " مَا نَوَى "  متأخر .

" فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوُله " هذه جملة شرطية ، أداة الشرط فيها : من ، وفعل الشرط : كانت ، وجواب الشرط : فهجرته إلى الله ورسوله . 

وهكذا نقول في أعراب قوله :" وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا " 

* أما في اللغة فنقول :

" الأَعْمَالُ " جمع عمل ، ويشمل أعمال القلوب وأعمال النطق ، وأعمال الجوارح ، فتشمل هذه الجملة الأعمال  بأنواعها .

" الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " النيات : جمع نية وهي : القصد . 

وشرعاً: العزم على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعالى ، ومحلها القلب ، فهي عمل قلبي ولا تعلق للجوارح بها .

" وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ "  أي لكل إنسانٍ " مَا نَوَى " أي ما نواه .

هنا مسألة : هل هاتان الجملتان بمعنى واحد ، أو مختلفان ؟

الجواب : يجب أن نعلم أن الأصل في الكلام التأسيس دون التأكيد ، ومعنى التأسيس : أن الثانية لها معنى مستقل ، ومعنى التأكيد : أن الثانية بمعنى الأولى .

وللعلماء رحمهم الله في هذه المسألة رأيان :

والصواب : أن الثانية غير الأولى ، فالكلام من باب التأسيس لا من باب التوكيد ، فالأولى باعتبار المنوي وهو العمل .

والثانية : باعتبار المنوي له وهو المعمول له ، هل أنت عملت لله أو عملت للدنيا .



ويدل لهذا ما فرعه النبي () في قوله : " فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوُله  " وعلى هذا يبقى الكلام لا تكرار فيه .

والمقصود من هذه النية تمييز العادات من العبادات ، وتمييز العبادات بعضها من بعض .

* و مثال تميز العادات عن العبادات :

- أولاً : الرجل يأكل الطعام شهوة فقط ، والرجل الآخر يأكل الطعام امتثالاً لأمر الله  في قوله :

 (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ ) (1) أكل الثاني عبادة ، وأكل الأول عادة .

- ثانياً : الرجل يغتسل بالماء البارد تبرداً ، والثاني يغتسل بالماء من الجنابة ، فالأول عادة ، والثاني : عبادة .

ولهذا قال بعض أهل العلم : عبادات أهل الغفلة عادات ، وعادات أهل اليقظة عبادات .

* و مثال تميز العبادات بعضها من بعض:

رجل يصلي ركعتين ينوي بذلك التطوع ، وآخر يصلي ركعتين ينوي بذلك الفريضة ، فالعملان تميزا بنية ، هذا نفل وهذا واجب ، وعلى هذا فَقِسْ .

* واعلم أن النية محلها القلب ، ولا يُنْطَقُ بها إطلاقاً ، لأنك تتعبّد لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، والله تعالى عليم بما في قلوب عباده ، ولست تريد أن تقوم بين يدي من لا يعلم حتى تقول أتكلم بما أنوي ليعلم به ، إنما تريد أن تقف بين يدي من يعلم ما توسوس به نفسك ويعلم متقلّبك وماضيك ، وحاضرك .

ولهذا لم يَرِدْ عن رسول الله () ولا عن أصحابه رضوان الله عليهم أنهم كانوا يتلفّظون بالنية .

* وهنا مسألة : إذا قال قائل : قول المُلَبَّي : لبيك اللهم عمرة ، ولبيك حجّاً ، ولبيك اللهم عمرة وحجّاً، أليس هذا نطقاً بالنية ؟

فالجواب : لا ، هذا من إظهار شعيرة النُّسك ، ولهذا قال بعض العلماء : إن التلبية في النسك كتكبيرة الإحرام في الصلاة ، فإذا لم تلبِّ لم ينعقد الإحرام ، كما أنه لو لم تكبر تكبيرة الإحرام للصلاة ما انعقدت صلاتك .

* ولهذا ليس من السنة : إن يقال : اللهم إني أريد نسك العمرة ، أو أريد الحج فيسّره لي ، لأن هذا ذكر يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه .

فإذا قال : قالها فلانٌ في كتابه الفلاني ؟

فقل له : القول ما قال الله ورسوله () .

" وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى " هذه هي نيّة المعمول له ، والناس يتفاوتون فيها تفاوتاً عظيماً .

* ثم ضرب النبي () مثلاً بالمهاجر فقال :

" فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ " الهجرة في اللغة : مأخوذة من الهجر وهو الترك .

وأما في الشرع فهي : الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام .

* وهنا مسألة : هل الهجرة واجبة أو سنة ؟

والجواب : أن الهجرة واجبة على كل مؤمن لا يستطيع إظهار دينه في بلد الكفر ، فلا يتم إسلامه إلا بالهجرة ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

كهجرة المسلمين من مكة إلى الحبشة ، أو من مكة إلى المدينة .

" فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُوله فَهِجْرتُهُ إلى اللهِ وَرَسُوُله " كرجل انتقل من مكة قبل الفتح إلى المدينة يريد الله ورسوله ، أي : يريد ثواب الله،ويريد الوصول إلى الله كقوله تعالى :  وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (1) إذاً يريد الله : أي يريد وجه الله ونصرة دين الله ، وهذه إرادة حسنة .

ويريد رسول الله : ليفوز بصحبه ويعمل بسنته ويدافع عنها ويدعو إليها والذبّ عنه، ونصرة دينه ، فهذا هجرته إلى الله ورسوله .

* وهنا مسألة : بعد موت الرسول () هل يمكن أن نهاجر إليه عليه الصلاة والسلام؟

الجواب: أما شخصه  فلا ولذلك لا يُهاجر إلى المدينة من أجل شخص الرسول لأنه تحت الثرى ، وأما الهجرة إلى سنته وشرعه  فهذا مما جاء الحث عليه وذلك مثل : الذهاب إلى بلد لنصرة شريعة الله الرسول () والذود عنها .


فالهجرة إلى الله في كل وقت وحين ، والهجرة إلى رسول الله لشخصه وشريعته حال حياته ، وبعد مماته إلى شريعته فقط .

"  وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيْبُهَا " بأن علم أن في البلد الفلاني تجارة رابحة فذهب إليها من أجل أن يربح ، فهذا هجرته إلى دنيا يصيبها ، وليس له إلا ما أراد ، وإذا أراد الله  ألا يحصل على شيء لم يحصل على شيء .

أو من هاجر  من بلد إلى لامرأة يتزوجها ، بأن خطبها وقالت لا أتزوجك إلا إذا حضرت إلى بلدي فهجرته إلى ما هاجر إليه .

قوله رحمه الله : (رواه إماما المحدثين أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَهْ البخاري ، وأبو الحسين مسلم بن الحجَّاج ين مسلم القشيري النيسابوري ، في صحيحيهما اللَذين هما أصح الكتب المصنفة) .

أي صحيح البخاري وصحيح مسلم وهما أصح الكتب المصنفة في علم الحديث ، ولهذا قال بعض المحدثين  إن ما اتفقا عليه لا يفيد الظن فقط بل العلم .

وصحيح البخاري أصح من مسلم ، لأن البخاري – رحمه الله – يشترط في الرواية أن يكون الراوي قد لقي من روى عنه ، أما مسلم – رحمه الله – فيكتفي بمطلق المعاصرة مع إمكان اللقي وإن لم يثبت لقيه ، وقد أنكر على من يشترط اللقاء في أول الصحيح إنكاراً عجيباً .

فالصواب ما ذكره البخاري – رحمه الله – أنه لا بد من ثبوت اللقي .

لكن ذكر العلماء أن سياق مسلم – رحمه الله – أحسن من سياق البخاري ، لأنه  -رحمه الله – يفرِّق الحديث ، ففي الصناعة صحيح مسلم أفضل ، وأما في الرواية والصحة فصحيح البخاري أفضل .

تشاجر قومٌ في البخاري ومسلم                   فقلت : لقد فاق البخاري صحة 

لديّ وقالـــــوا : أي ذَيْنِ تقدّم                       كما فاق في حسن الصناعة مسلم   

فالحديث إذا صحيح يفيد العلم اليقيني ، لكنه ليس يقينياً بالعقل وإنما هو يقيني بالنظر لثبوته عن النبي () .

* من فوائد الحديث :

 1- هذا الحديث أحد الأحاديث التي عليه مدار الإسلام ، ولهذا قال العلماء : مدار الإسلام على حدثين : هما هذا الحديث ، وحديث عائشة : " مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فهُوَ رَدّ " فهذا الحديث عمدة أعمال القلوب ، فهو ميزان الأعمال الباطنة ، وحديث عائشة : عمدة أعمال الجوارح .

2- من  فوائد الحديث : أنه يجب تمييز العبادات بعضها عن بعض ، والعبادات عن المعاملات لقول النبي () : " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ  " .

* مسألة :لو خرج شخص بعد زوال الشمس من بيته متطهراً ودخل المسجد وليس في قلبه أنها صلاة الظهر ، ولا صلاة العصر ، ولا صلاة العشاء ، ولكن نوى بذلك فرض الوقت ، فهل تجزئ أو لا تجزئ ؟

الجواب : قيل تجزئ : ولا يشترط تعيين المعيّنة ، فيكفي أن الصلاة وتتعين الصلاة بتعيين الوقت ، وهذه رواية عن الإمام أحمد – رحمه الله  تعالى - ، وهذا هو القول هو الصحيح الذي لا يسع الناس العمل إلا به.

3- من فوائد الحديث : الحثّ على الإخلاص لله ، لأن النبي () قسم الناس إلى قسمين :

قسم : أراد بعمله وجه الله والدار الآخرة .

وقسم : بالعكس ، وهذا يعني الحث على الإخلاص لله  .

4- من فوائد الحديث : حسن تعليم النبي () وذلك : بتنويع الكلام وتقسيمه ، لأنه قال "   إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " وهذا للعمل " وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى  " وهذا للمعمول له ، هذا أولاً .

والثاني من حُسن التعليم : تقسيم الهجرة إلى قسمين : شرعية وغير شرعية ، وهذا من حسن التعليم ، ولذلك ينبغي للمعلم أن لا يسرد المسائل على الطالب سرداً لأن هذا يُنْسِي، بل عليه أ، يجعل أصولاً ، وقواعد وتقييدات ، لأن ذلك أقرب لثبوت العلم في قلبه ، أما أن تسرد عليه المسائل فما أسرع أن ينساها.

5- من فوائد الحديث : قرن الرسول () مع الله تعالى بالواو حيث قال : " إِلى اللهِ وَرَسُوله " ولم يقل : ثم إلى رسوله ، مع أن رجلاً قال للرسول () : مَا شاءَ اللهُ وشِئْتَ، فَقَالَ :" بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَه " فما الفرق ؟

والجواب : أما ما يتعلق بالشريعة : فيعبر عنه بالواو ، لأن ما صدر عن النبي () من الشرع كالذي صدر من الله تعالى كما قال تعالى : (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) (1)

وأما الأمور الكونية : فلا يجوز أن يُرن مع الله أحدٌ بالواو أبداً ، لأن كل شي تحت إرادة الله تعلى ومشيئته.

فإذا قال قائل :هل ينزل المطر غداً ؟

فقيل : الله ورسوله أعلم ، فهذا خطأ ، لأن الرسول  ليس عنده علم بهذا .

* مسألة :وإذا قال : هل هذا حرامٌ أم حلال ؟

فقيل في الجواب : الله ورسوله أعلم ، فهذا صحيح ، لأن حكم الرسول في الأمور الشرعية حكم الله تعالى كما قال عز و جل : (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) (1)

* مسألة : أيهما أفضل العلم أم الجهاد في سبيل الله ؟

والجواب : العلم من حيث هو علم أفضل من الجهاد في سبيل الله لأن الناس كلهم محتاجون إلى العلم ،وقد قال الإمام أحمد : " العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته "، ولا يمكن أبداً أن يكون الجهاد فرض عين لقول الله تعالى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فلو كان فرض عين لوجب على جميع الناس  فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ) أي وقعدت طائفة ( لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (1)ولكن باختلاف الفاعل واختلاف الزمن ، قد نقول لشخص : الأفضل في حقك الجهاد ، ولآخر الأفضل في حقك العلم ،فإذا كان شجاعاً قوياً نشيطاً وليس بذاك الذكي فالأفضل له الجهاد ؛ لأنه أليَق به ، وإذا كان ذكياً حافظاً قوي الحجة فالأفضل له العلم وهذا باعتبار الفاعل .

أما باعتبار الزمن فإننا إذا كنّا في زمن كثر فيه العلماء واحتاجت الثغور إلى مرابطين فالأفضل الجهاد .

وإن كنّا في زمن تفشى فيه الجهل وبدأت البدع تظهر في المجتمع وتنتشر فالعلم أفضل .

وهناك ثلاثة أمور تحتّم على طلب العلم :

1- بدع بدأت تظهر شرورها .

2- الإفتاء بغير علم .

3- جدل كثير في مسائل بغير علم .

وإذا لم يكن مرجّح فالأفضل العلم .

6- ومن فوائد الحديث : أن الهجرة من الأعمال الصالحة لأنها يقصد بها الله ورسوله.

* مسألة :هل الهجرة واجبة أم مستحبة ؟

الجواب : فيه تفصيل ، إذا كان الإنسان يستطيع أن يظهر دينه وأن يعلنه ولا يجد من يمنعه في ذلك ، فالهجرة هنا مستحبة .

وإن كان لا يستطيع فالهجرة واجبة وهذا هو الضابط للمستحبّ والواجب، وهذا يكون في البلاد الكافرة.

أما في البلاد الفاسقة – وهي التي تعلن الفسق وتظهره – فإنا نقول : إن خاف الإنسان على نفسه أن ينزلق فيه أهل البلد فهنا الهجرة واجبة ، وأن لم يخف فتكون غير واجبة ، بل نقول في بقائه إصلاح ، فبقاؤه واجب لحاجة البلد إليه في الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

والحاصل أن الهجرة من بلاد الكفر ليست كالهجرة من بلاد الفسق ، فيقال للإنسان: اصبر واحتسب ولا سيما إن كنت مصلحاً ، بل قد يقال : إن الهجرة في حقك حرام .



تعليقات