🛑 أقسام الصبر 🛑
تزكية النفس - الحلقة ٢٩
في هذه الحلقة: 👇👇
أجزاء المقطع: 👇👇
رابط المقطع: 👇👇
https://youtu.be/vZGDKWXAUr4رمز سريع للسلسلة: 👇👇
نص كلام المؤلف حفظه الله:
الصبر
أقسام الصبر باعتبار متعلقه
والصبر
باعتبار متعلقة ثلاثة أقسام : صبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها ، وصبر عن
المناهى والمخالفات حتى لا يقع فيها، وصبرعلى الأقضية حتى لايتسخطها، وهذه الأقسام
هى التى قيل فيها :
"
لابد للعبد من أمر يفعله ، ونهى يجتنبه،
وقدر يصبر عليه ".
والصبر
أيضاً نوعان : اختيارى واضطرارى ، والاختيارى أكمل من الاضطرارى ، فإن الاضطرارى
يشترك فيه الناس ويتأنى ممن لا يتأتى منه
الصبر الاختيارى ولذلك كان صبر يوسف
u عن مطاوعة امرأة العزيز
أعظم من صبره على ما ناله من إخوته لما ألقوه فى الجب .
فالإنسان
لا يستغنى عن الصبر فى حال من الأحوال لأنه يتقلب بين أمر يجب عليه امتثاله
وتنفيذه ، ونهى يجب عليه اجتنابه وتركه، وقدر يجرى عليه اتفاقا ،ونعمة يجب شكر
المنعم بها عليه وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه ، فالصبر لازم له إلى الممات .
وكل ما
يلقى العبد فى هذه الدار لايخلو من نوعين :
أحدهما : يوافق هواه ومراده .
والآخر : يخالفه ،وهو محتاج إلى الصبر فى كل منهما ، أما النوع الموافق
لغرضه كالصحة ،والجاه ، والمال ، فهو أحوج شىء إلى الصبر فيها من وجوه :
أحدهما : أن لايركن إليها ، ولا يغتر بها ، ولا تحمله على البطر ، والفرح
المذموم الذى لايحب الله أهله .
والثانى : أن لا ينهمك فى نيلها .
والثالث : أن يصبر على أداء حق الله فيها .
والرابع: أن يصبر عن صرفها من الحرام، قال بعض السلف : " البلاء يصبر
عليه المؤمن والكافر، ولا يصبر على العافية إلا الصديقون ".
وقال عبد الرحمن بن عوف : ابتلينا بالضراء فصبرنا
، وابتلينا بالسراء فلم نصبر !!، ولذلك يحذر الله عباده من فتنة المال ،والأزواج
والأولاد . فقال تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا
أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ { (المنافقون : من الآية 9)
أما
النوع الثانى المخالف للهوى : فلا
يخلو إما أن يرتبط باختيار العبد كالطاعات والمعاصى، أو لا يرتبط أوله باختياره
كالمصائب ، أو يرتبط أوله باختياره ولكن
لا اختيار له فى إزالته بعد الدخول فيه.
فها هنا
ثلاثة أقسام :
القسم
الأول :
ما يرتبط
باختياره ، وهو جميع أفعاله التى توصف بكونها طاعة أو معصية فأما الطاعة فالعبد
محتاج إلى الصبر عليها لأن النفس بطبعها
تنفر عن كثير من العبودية، أما فى الصلاة فلما فيها من الكسل وإيثار لراحة لا سيما إذ اتفق مع ذلك قسوة القلب، ورين الذنب
والميل إلى الشهوات ، ومخالطة أهل الغفلة .
وأما
الزكاة فلما فى طبع النفس من الشح والبخل ، وكذلك الحج، والجهاد للأمرين جميعاً ،
ويحتاج العبد إلى الصبر فى ثلاثة أحوال:
قبل الشروع فى الطاعة ، وذلك بتصحيح النية ، والإخلاص فى الطاعة ، وحين
الشروع فى الطاعة ، وذلك بالصبر على دواعى التقصير والتفريط ، واستصحاب النية ولا
يعطله قيام الجوارح بالعبودية عن حضور قلبه بين يديه سبحانه .
والثالثة
بعد الفراغ من الطاعة ، وذلك بالصبر على ما يبطلها ، فليس الشأن فى الإتيان
بالطاعة ، وإنما الشأن فى حفظها مما يبطلها، فيصبر عن رؤيتها والعجب بها والتكبر،
وكذلك يصبر عن نقلها من ديوان السر إلى ديوان العلانية ، فإن العبد يعمل العمل
سراً بينه وبين الله سبحانه، فيكتب فى ديوان السر ، فإن تحدث به نقل من ديوان السر
إلى ديوان العلانية، فلا يظن أن بساط الصبر انطوى بالفراغ من العمل.
أما
الصبر عن المعاصى فأمره ظاهر ، وأعظم ما يعين عليه قطع المألوفات ، ومفارقة
الأعوان عليه فى المجالسة والمحادثة .
القسم
الثانى :
مالا
يدخل تحت الإختيار، وليس للعبد حيلة فى دفعه كالمصائب، وهى إما أن تكون مما لا صنع
لآدمى فيه كالموت والمرض والثانى: ما أصابه من جهة آدمى كالسب والضرب .
فالنوع الأول:
للعبد فيه أربعة مقامات : مقام العجز ، وهو الجزع والشكوى , والثانى : مقام الصبر
، والثالث : مقام الرضى، والرابع : مقام الشكر وهو بأن يشهد البلية نعمة فيشكر
المبتلى عليها .
وما
أصابه من جهة الناس فله فيه هذه المقامات
مضافاً إليها أربعة أخر: الأول : مقام العفو ، والثانى: مقام سلامة الصدر
من إرادة التشفى، الثالث: مقام القدر ، والرابع : مقام الإحسان إلى المسىء
.
القسم الثالث
مما يكون وروده باختياره ،
فإذا تمكن منه لم يكن له اختيار، ولا حيلة
فى دفعه .
الأخبار الواردة فى فضيلة الصبر
عن أم سلمة قالت : سمعت
رسول الله r يقول : " ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول
ما أمره الله ( إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيراً
منها ) ، إلا أخلف الله له خيراً منها، قالت: فلما مات أبوسلمة قلت : أى المسلمين
خيرٌ من أبى سلمة ، أول بيت هاجر إليه رسول الله r ثم إنى قلتها فأخلف الله لى رسول الله r ... " . الحديث([1]) .
وعن أبى هريرة t أن رسول الله r قال : " من يرد الله به خيراً يصب
منه "([2]) .
وعن عائشة رضى الله عنها
قالت :قال رسول الله r : " ما من مصيبة تصيب المؤمن إلا كفّر
الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها "([3]) .
وعن أبى موسى t قال : قال رسول الله r : " إذ مرض العبد أو سافر كتب له مثل
ما كان يعمل مقيماً صحيحاً " ([4]).
عن خباب بن الأرت قال :
شكونا إلى رسول الله r - وهو متوسد ببردة له فى ظل الكعبة – فقلنا
: ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو لنا ، فقال : " قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل ،
فيحفر له فى الأرض ، فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ،
ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه ، وعظمه ،ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله
هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه
، ولكنكم تستعجلون " ([5]) .
الآثار : قال بعض السلف : لولا مصائب الدنيا لوردنا الآخرة من المفاليس
" .
قال سفيان بن عيينة فى قوله
تعالى : } وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا
صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ { (السجدة : من الآية 24)
لما أخذوا برأس الأمر
جعلناهم رؤوساً ، ولما أرادوا قطع رجل عروة ابن الزبير قالوا له : لو سقيناك شيئاً
كيلا تشعر بالوجع، قال : إنما ابتلانى ليرى صبرى أفأعارض أمره ؟!
قال عمر بن عبد العزيز:
" ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعاضه مكانها الصبر إلا كان ما
عوضه خيراً مما انتزعه .
ومرض أبو بكر الصديق فعادوه
فقالوا: ألا ندعو لك الطبيب، فقال " قد رآنى الطبيب، قالوا : فأى شىء قال لك
؟ فقال : قال : " إنى فعال ما أريد " .
وروُى أن سعيد بن جبير قال:
" الصبر : اعتراف العبد لله بما أصابه
منه واحتسابه عند الله ، ورجاء ثوابه ، وقد يجزع العبد وهو يتجلد لا يرى
منه إلا الصبر " .
فقوله: اعتراف
العبد لله بما أصابه كأنه تفسير لقوله : } إِنَّا لِلّهِ { (البقرة : من الآية 156) . فيعترف أنه ملك لله يتصرف فيه مالكه بما
يريد، وراحياً بهما عند الله كأنه تفسير لقوله : } وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ { (البقرة : من الآية 156) . أى نرد إليه فيجزينا
على صبرنا ، ولا يضيع أجر المصيبة .
تعليقات
إرسال تعليق